خطبة الجمعة التي ألقاها رئيس المكتب السياسي الدكتور عماد الحوت في مسجد الحسن:

السبت 21 أيلول 2019

Depositphotos_3381924_original

 تأملات في قصة النبي يحيى بن زكريا عليهما السلام

يقول الله تعالى:
﴿فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾
ويقول أيضاً: ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾
وسنقف اليوم عند قصة نبي ابن نبي وشهيد ابن شهيد وهو يحيى بن زكريا عليهما السلام.

المحطة الأولى: زكريا والأمل بالله والثقة به
﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا * وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا﴾.
زكريا، رغم كبر سنه وكون امرأته عاقراً لم يفقد الأمل بالله ودعاه أن يهب له ولداً يحمل إسمه وبحمل هم الدعوة من بعده، وهذا يدفعنا أن نحافظ على الأمل بغدٍ أفضل لنا ولمجتمعنا مهما تكون الظروف والتحديات وذلك من خلال الأخذ بالأسباب ثم التوجّه الى رب الأسباب.

المحطة الثانية: المهم صلاح الذرية وليس كثرتها)
﴿...إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ﴾.
﴿قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً. إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ﴾.
دعا ربه ان يهب له غلاماً طاهر القلب صافي السريرة يكون قادراً على ان يصون، الدين ويحفظه من الضياع.
ليس المهم أن يكون للواحد منا أولاداً كثر وإنما المهم أن يحسن تربيتهم فيجعل منهم أولاداً صالحين يحملون القيم ويلتزمون بتعاليم الإسلام.

المحطة الثالثة: تسمية الله ليحيى
﴿يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا﴾
الله سبحانه وتعالى سمى يحيى بهذا الإسم، والإسم يوحي بطول الحياة بينما يحيى لم يعش طويلاً وقتل شاباً وهو ثابت على الحق مدافعٌ عنه، وهذا يعني أن طول الحياة ليس محصوراً بالحياة الدنيا فقط وإنما أيضاً بالحياة الآخرة حيث يكون مصير الواحد منا إما أن يكون برضوان الله وفي جنته وإما في سخط الله وجهنم والعياذ بالله.

والله هو الذي سمى المسلمين أيضاً بهذا الإسم،
﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِۚ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍۚ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَۚ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَٰذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ۚ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ ۖ فَنِعْمَ الْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ النَّصِيرُ﴾.
فخرنا بتسمية الله لنا بالمسلمين يجعلنا نرفض أي محاولة لتشويه الإسلام ومحاولة شيطنة المسلمين، وهذا يرتّب علينا مسؤوليتين:
المسؤولية الأولى أن نكون خير سفراء للإسلام بأخلاقنا وتعاملنا والتمسك بقيم الإسلام وتعاليمه.
والمسؤولية الثانية أن لا نقع بالتفريط بمبادئ ديننا العظيم تحت وطأة الضغط المعنوي أو الترهيب أو الاستهداف. نحن نرفض الأحقاد الطائفية، ولكننا لن نسمح لمنطق الاستهداف أن ينال من وجودنا أو حقوقنا، فنحن كنا وسنبقى ملح الأرض والبلد ولو كره الكارهون.

المحطة الرابعة: صفات النبي يحيى أو صفات كل من ينتمي الى الله
﴿فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ﴾.
﴿يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآَتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا * وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا * وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا﴾.
1. الإيمان والتقوى: (مصدقاً بكلمةٍ من الله وسيداً وحصورا)، يفوق غيره في الشرف والتقوى والعصمة عن الفواحش والمنكرات).
2. القيام بواجب الدعوة والإصلاح: يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآَتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا.
3. الصفات الاجتماعية المحببة والتي تجمع حوله الناس: وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا.
4. الاستعداد للتضحية والثبات على الحق إذ لم يتراجع أمام التهديد بالقتل عن قول الحق للملك في زمانه بحرمة زواجه من ابنة أخيه.

أيها الإخوة المؤمنون،
إن التدبر بقصة سيدنا يحيى تجعلنا:
نتمسك أكثر بمنهج الإسلام القائم على إصلاح النفس وإصلاح الأبناء وإصلاح المجتمع، طمعاً بأن يغيّر الله ما بنا إذا قمنا نحن بواجب تغيير ما بنا.
كما تحفزنا قصة النبي يحيى عليه السلام لعدم الاستسلام للتحديات التي تواجهنا أو المؤامرات التي تحاك لنا من توهينٍ لأهل السنّة والجماعة، أو محاولاتٍ لبيع فلسطين وزيادة تقسيم الأمة ومحاولة استعبادها من جديد، فنحن أبناء أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي وعدها ربنا بالخيرية الى يوم القيامة (الخير بي وبأمتي الى يوم القيامة).