مقابلة مع رئيس المكتب السياسي للجماعة الاسلامية الدكتور عماد الحوت حول رؤية الجماعة لواقع الأزمة الراهنة وسبل الحل

الجمعة 15 تشرين الثاني 2019

Depositphotos_3381924_original

الحوت لموقع الفيحاء:

 

– الجماعة الإسلامية في لبنان ترى أن المصلحة الوطنية اليوم تقضي بتسريع تشكيل حكومة كفاءات مصغرة تقوم بادارة الأزمة للوصول إلى بر الأمان للجميع.

 

– خطابات فخامة رئيس الجمهورية كانت مخيبة للآمال كونها أظهرت حالة إنكار للحراك الثوري وتعاملت بمنطق الحد من تنازلات الطبقة السياسية لمصلحة المواطنين.

 

– جمهور الجماعة الاسلامية متفاعل مع الحراك ومشارك فيه والجماعة تتبنى منذ اليوم الأول مطالبه دون المشاركة الرسمية فيه حفاظا عليه وعلى عفويته.

 

– لبنان بلد منهوب وليس مفلس ومن مصلحته الحياد في علاقاته الخارجية دون انحياز لأي محور من المحاور الدولية والإقليمية المتصارعة.

 

– من مصلحة لبنان الاقتصادية الانفتاح على مختلف الأسواق الغربية والشرقية لاستغلال كافة الآفاق الاقتصادية المتاحة.

 

– مماطلة السلطة في الاستجابة لمطالب الحراك الثوري واستخدام القوة والترهيب بحقه فشلت والرهان اليوم على التزام المواطنين أعلى مستوى الوعي للحفاظ على سلمية الحراك وأهدافه.

 

في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها لبنان وتعنت السلطة ومكوناتها عبر اتباع سياسة المماطلة في عدم تلبية مطالب الحراك الشعبي المنتفض، للحفاظ على مكاسب الطبقة السياسية والمنتفعين.

 

برزت مبادرة أطلقتها الجماعة الإسلامية في لبنان منذ الأيام الأولى لاندلاع الحراك الشعبي تقضي بالدعوة للإسراع في تشكيل حكومة كفاءات مصغرة تأخذ على عاتقها تفعيل اجراءات مكافحة الفساد، اقرار قانون انتخابات جديد والإشراف على انتخابات مبكرة إضافة إلى معالجة الأزمة الإقتصادية والمعيشية.

 

حول رؤية الجماعة لواقع الأزمة الراهنة وسبل الحل أجرى رئيس تحرير موقع الفيحاء “ربيع المغربي” لقاء حواريا مع النائب السابق الدكتور “عماد الحوت” رئيس المكتب السياسي للجماعة الإسلامية و”أمين عام “ملتقى العدالة والديمقراطية، عضو منظمة “برلمانيون ضد الفساد” الدولية وكان على النحو التالي:

 

1- بداية كيف تقيّم الجماعة الاسلامية الحراك الراهن في لبنان وهل تعتبره حراك أم ثورة؟وهل تجد الجماعة بأن هناك تدخل أجنبي داعم للحراك الشعبي؟

 

إن الحراك الشعبي الثوري الدائر في لبنان هو نتيجة طبيعية لاحتقان موجود عند المواطنين اللبنانيين نتيجة سوء الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، نتيجة سوء الإدارة من قبل الطبقة السياسية الحاكمة وحالة انعدام الثقة من المواطن اللبناني بهذه الطبقة، ووجود حالة استفزاز من وقاحة ممارسات الفساد المكشوف على مستوى الأحزاب المتشاركة في السلطة.

وعندما ترى حجم المظاهرات وتنوع المشاركين فيها من جميع الأعمار وجميع المستويات الاجتماعية تدرك عمق أزمة الثقة الموجودة لدى هؤلاء.

 

أما فيما يتعلق بالتدخل الأجنبي، فإن أية حالة سيولة شعبية كحالة الحراك الثوري القائم تغري مختلف المحاور الدولية والإقليمية بالاستثمار فيها في إطار الصراع الدولي – الإقليمي الدائر في المنطقة، ولكن من الواضح أن مزاج المشاركين في هذه التحركات الشعبية هو ضد أي تدخّل استثماري، سواء من خارج لبنان أو حتى من داخل لبنان، بدليل اضطرار عدد من قوى المجتمع المدني المشاركة في الحراك الى إصدار بيانات تنفي مجرد لقاء مع المبعوث الفرنسي الى لبنان، مراعاة للجو العام للحراك الحريص على عفويته وعدم توظيفه لغير الغايات التي خرج بسببها المواطنون أي محاربة الفساد، معالجة الأزمة الاقتصادية، وإعادة تشكيل السلطة بعيداً عن الفساد وسوء الإدارة.

 

2- هل انتم مع قطع الطرقات وايقاف التدريس في المؤسسات التربوية والمرافق العامة؟

وما هي الوسائل التي تطرحها الجماعة على الحراك ليستخدمها في سبيل الضغط على السلطة؟

 

بدايةً لا أعتقد أن هناك من يهوى قطع الطرقات أو البقاء في الشارع، ولكن هذا يؤشر الى حجم الاحتقان الذي كان من واجب المسؤولين الالتفات له والعمل على إيجاد العلاجات الجذرية لأسباب هذا الاحتقان الناتج عن الفساد والهدر وسوء الإدارة، ومن الواضح أن مراهنة الشركاء في السلطة على عامل الوقت وتعب المتظاهرين ومحاولة التصرف وكأنه ليس هناك من حراك قد استفز المواطنين ودفعهم الى مثل هذا التصعيد.

 

من جهة أخرى، ليس من دور الجماعة أن تتخذ موقفاً سلبياً أو إيجابياً من خطوات الحراك، ولا أن تقترح عليه أدوات ووسائل، فإن من أهم نقاط قوة الحراك الثوري أنه بدون قيادة أو موجّه، والجماعة الإسلامية بهذا المعنى ليست شريكة في قيادة هذا الحراك الذي يقود نفسه بنفسه وإن كانت الجماعة قد تبنّت مطالب المواطنين وجمهورها مشارك في فعاليات الحراك الجامع للجميع.

 

3- الأزمة الاقتصادية الراهنة كيف ترى الجماعة سبل الخروج منها وهل لا يزال هناك من أمل للبنانيين؟

 

لا شك أن الأزمة الاقتصادية عميقة وهي نتيجة لعاملين أساسيين: الفساد والهدر والمحاصصة وسوء الإدارة من ناحية، والعقوبات الأمريكية من ناحية أخرى.

 

نحن كلبنانيين معنين بالتعامل مع العامل الأول، لذلك كان رأي الجماعة متماهي مع مطالب الناس بضرورة إعادة تشكيل السلطة، إذ لا يمكن لمن كان سبباً في الوصول الى ما نحن فيه أن يستمر في إدارة البلاد، وكيف أثق بمن كان مشاركاً في الفساد طيلة السنوات الماضية أو مغطيّاً له أن يقوم بمحاربة هذا الفساد؟

 

من هنا كان لا بد للخروج من هذه الأزمة الاقتصادية من خلال تشكيل حكومة توحي بالثقة للمواطن اللبناني أولاً وللمستثمر الخارجي بعد ذلك، لنستعيد الدورة الاقتصادية، تكون مهمتها الاساسية مكافحة الفساد، ووقف الهدر، والمحاسبة وصولاً لاستعادة الأموال المنهوبة، فلبنان بلد منهوب وليس بلداً مفلساً.

 

4- حزب الله يعتبر أن حل الازمة الاقتصادية يكمن بالالتحاق بمحور ما يسمى “المقاومة” هل توافقون على ذلك؟ وما هي الحلول البديلة؟

 

لبنان في طبيعة تشكيله لا يتحمّل أن يكون جزءاً من أي محور من المحاور وليس فقط المحور الذي يطلق على نفسه محور المقاومة، وهذه التسمية بحد ذاتها خاطئة إذ أنها تعني تخوين جميع من ليسوا في هذا المحور وكأنهم ضد المقاومة، بينما من مصلحة المقاومة أن تكون جامعة حولها مختلف المواطنين، وأن لا تكون خاضعة لتجاذبات سياسية لا علاقة لها بمقاومة العدو الصهيوني التي كما قلت يجب أن تكون نقطة التقاء بين جميع اللبنانيين.

 

من جهة أخرى، لا يمكن للبنان أن يكون جزءاً من المحور الأمريكي المرتبط في أهدافه بأمن العدو الصهيوني والذي يستهدف وحدة شعوب المنطقة واستنزافها.

 

وبالتالي فإن مصلحة لبنان بالوضع الحالي أن يكون على الحياد في علاقاته الخارجية دون انحياز لأي محور من المحاور الدولية والإقليمية المتصارعة.

 

وفيما يتعلّق بالبعد الاقتصادي فإن مصلحة لبنان تكمن في الإنفتاح على مختلف الأسواق الغربية والشرقية لاستغلال جميع الآفاق الاقتصادية المتاحة.

 

5- كيف قرأت الجماعة الخطابات المتعددة لرئيس الجمهورية وأمين عام حزب الله؟

 

هناك فرق بين الخطابين، فخطاب الأمين العام لحزب الله يتم قراءته على أساس أنه خطاب مكون سياسي لبناني من حقه أن يطرح ما هو مقتنع به ويراه صحيحاً، بغض النظر عن صوابيته أو خطأه أو درجة الإتفاق معه أو الإختلاف، ويخضع لأساليب الممارسة السياسية وتحقيق المكاسب أو حماية الذات.

 

أما خطابات رئيس الجمهورية، فالأصل فيها أن تتوجه لجميع اللبنانيين وتطمئن جميع اللبنانيين، ولكنها للأسف كانت مخيبة للآمال وأعطت اللبنانيين وكأن رئيس الجمهورية يعيش حالة انكار لما يدور من حوله، ولا يزال حتى اليوم غير مدرك لمعاناة الناس ومطالبهم، ويتعامل مع الأزمة من منطق الحد من تنازلات الطبقة السياسية لمصلحة المواطنين المنتفضين على الواقع والأداء السيئ لهذه الطبقة، في الوقت الذي يحتم عليه موقعه ومسؤوليته الانحياز للمواطن والمواطن فقط.

 

6- قدمت الجماعة الاسلامية رؤية لحل الأزمة الراهنة فما هي أبرز مقومات الحلول التي طرحتها وهل تجد صدى في المجتمع اللبناني؟

 

لقد قدّمت الجماعة الإسلامية منذ بداية الحراك الثوري خارطة طريق لتلبية طموحات ومطالب المواطنين من خلال آليات دستورية لا توقع البلد في حالة فوضى أو فراغ وطرحت هذه المبادرة على الرأي العام للنقاش.

 

تقوم هذه الخارطة على الخطوات التالية:

 

‌أ. مرحلة انتقالية مدتها ستة أشهر تبدأ بتشكيل سريع لحكومة كفاءات مصغرة، مهمتها:

 

1. موازنة 2020 إصلاحية خالية من الضرائب الاضافية.

 

2. مشروع قانون انتخابات جديد يؤمّن عدالة التمثيل مع خفض سن الاقتراع الى 18 سنة.

 

3. تسريع إجراءات مكافحة الفساد واستعادة الأموال المنهوبة (استقلال القضاء، ووقف العمل بالمحاكم الاستثنائية للمدنيين، تفعيل أجهزة الرقابة، رفع السرية المصرفية عن الرؤساء والوزراء والنواب وجميع العاملين في الوظيفة العامة، تنفيذ قانون استعادة الأموال المنهوبة فور اقراره، تنفيذ قانون الإثراء غير المشروع، تفعيل الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد وقانون حماية كاشفي الفساد…).

 

4. تسريع إجراءات الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي (إعادة هيكلة القطاع العام وترشيقه، إعتماد آلية قائمة على الكفاءة في التعيينات، الخدمات الأساسية…) .

 

‌ب. انعقاد المجلس النيابي في جلسات مفتوحة ومتلاحقة لـ: إقرار مشروع موازنة 2020، إقرار قانون الانتخابات، اقرار مشاريع قوانين مكافحة الفساد واستقلالية القضاء، إطلاق عملية بناء الهوية الوطنية من خلال تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية وتفعيلها.

 

‌ج. إجراء انتخابات نيابية مبكرة وفق القانون الجديد.

 

7- طرح اعلامييون عبر وسائل اعلامية متعددة بأن عناصر من محركي الثورة في طرابلس وعدد من المناطق السنية ينتمون إلى الجماعة الاسلامية فهل هذا صحيح؟

 

هذا الطرح ظلم للحراك الثوري وهو شرفٌ لا ندّعيه.

الحراك الثوري كما قلت يتفاعل فيما بينه دون قيادة أو محرّك، ولا أنكر أن جمهور الجماعة الإسلامية متفاعل مع الحراك ومشارك فيه، ولكن الجماعة أخذت قرار منذ اليوم الأول بالتبني الكامل لمطالب المواطنين المنتفضين على الفساد وسوء إدارة الطبقة السياسية المتشاركة في السلطة، التي لم تكن الجماعة الإسلامية يوماً جزءاً من هذه السلطة وممارساتها، دون المشاركة الرسمية في الحراك الثوري الشعبي حفاظاً عليه وعلى عفويته التي هي إحدى ضمانات عدم حرفه عن أهدافه المشروعة باتجاه أي استثمار سياسي داخلي أو في إطار الصراع الدولي الإقليمي.

 

8- هل انتم مع تشكيل حكومة تكنوكراط؟

 

بكل تأكيد نحن مع حكومة كفاءات مصغّرة، لفترة انتقالية، يقتصر بيانها الوزاري على إعداد قانون انتخابات جديد، تفعيل إجراءات مكافحة الفساد، معالجة الأزمة الاقتصادية والمعيشية، إذ من الواضح أن الناس فقدت الثقة بالطبقة السياسية الحالية التي مارست الفساد بأبشع صوره مقروناً بسوء إدارة أول المواطن اللبناني بالخوف على حاضره ومستقبل أولاده والانتفاض عليها. هذه الحكومة سيكون على عاتقها تنظيم انتخابات نيابية مبكرة يضع فيها الجميع، أحزاباً ومستقلين، أنفسهم أمام حكم الشعب لانتخاب من يراه مناسباً لإدارة البلاد.

 

9- في حال عدم التفاهم بين مكونات السلطة لاعادة تكليف الرئيس سعد الحريري والتوجه لنتاج حكومة مواجهة كيف تقرأ الجماعة الاسلامية عندها المشهد؟

 

القضية ليست قضية أسماء وإنما قضية توصيف شكل الحكومة وتحديد مهمتها، وإذا لم تستمع القوى المتشاركة في السلطة لنبض الناس ومطالبهم، فإن الأمور متجهة لمرحلة قد تطول أو تقصر من المواجهة بين المواطنين وبين المتمسكين بالسلطة ومنطق المحاصصة وهذا ليس في مصلحة أي من الطرفين ولا في مصلحة البلد.

 

إن من يتابع تطور الحراك وقد وصل الى الأسبوع الخامس يدرك أن الشعب اللبناني خرج من القمقم، وأن المنتفضين تجاوزوا حاجز الخوف وتعاملوا مع جميع محاولات تفشيل حراكهم الثوري بوعي كبير، حيث تم استخدام أدوات مختلفة لإجهاض هذا الحراك من محاولة استدراجه لمفاوضات توقع بين المشاركين، واستخدام القوة والترهيب، والوعود البرّاقة دون أي مؤشر على صدق التنفيذ، والرهان على الوقت والتعب، وغير ذلك من الأدوات ولكنها جميعها فشلت في التخفيف من عزيمة المشاركين في الحراك الثوري، وهذه المحاولات التي لم تنتهِ ولا تزال مستمرة تستدعي من المواطنين أعلى مستوى من الوعي لعدم استدراج الحراك الثوري للخروج عن سلميته أو حرفه عن أهدافه العادلة.

 

من جهة أخرى فإن مرحلة تصريف أعمال طويلة ستعمّق من الأزمة الاقتصادية وتؤدي لا سمح الله الى الانهيار الاقتصادي الكامل الذي بدأنا نستشعر وطأته والذي لن تنجو من مفاعيله أي ساحة من ساحات لبنان أو أي مكوّن من مكوّناته.

 

يبقى أخيراً سيناريو القمع المسلّح للحراك الذي يتم التداول به عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فإنني أعتقد أنه لا يوجد هناك فريق عاقل يمكن أن يفكّر فيه، فطبيعة لبنان الجغرافية والديمغرافية تجعل هكذا مغامرة إن وقعت لا سمح الله، لا تنتهي برابح وخاسر وإنما بمجموعة خاسرين وهذا لبس في مصلحة أحد.

 

من هنا ترى الجماعة أن المصلحة تقتضي بتسريع تشكيل حكومة كفاءات تقوم بإدارة الأزمة للوصول الى بر الامان للجميع.