كلمة النائب عماد الحوت - مناقشة موازنة 2017

الأربعاء 18 تشرين الأول 2017

Depositphotos_3381924_original

 

دولة الرئيس،
أبدأ كلمتي بحمد الله على تجدد الأمل بعودة الإنتظام للمالية العامة من خلال مناقشة موازنة 2017، وهذا مما يحسب للحكومة الحالية، آملاً أن لا تكون آخر عهدنا بالموازنات وأن تتاح لنا مناقشة موازنة 2018 في وقتها الدستوري والمفيد، فنحن اليوم نقر موازنة قد صرف كل ما فيها تقريباً وبالتالي لا قدرة لنا على ترشيد ما فيها من إنفاق أو واردات.
 كما لا بد لي أن أؤكد من باب الإنصاف، على أن ما نمر به من تعثّر اقتصادي ليس كله نتاج أداء هذه الحكومة، على ما لي على أدائها من ملاحظات، وإنما أيضاً نتيجة تراكمات سنواتٍ سبقت انتشرت فيها فوضى السلاح خارج إطار الدولة، وأُخذ البلد فيها رهينةً من خلال تعطيل انتخاب رئيسٍ للجمهورية على مدى سنتين ونصف، وقام فريقٌ بمغامراتٍ قتالية خارج الحدود اللبنانية لحساباتٍ إقليمية استجلبت نار العمليات الإرهابية الى المناطق اللبنانية فهزّت أمننا، فضلاً عمّا تعاني منه المنطقة من أزمات وحروب، وجميعنا يدرك أنه ليس من السهولة أن ينمو الاقتصاد في مثل هذه الظروف.

دولة الرئيس،
يحكى أن بلدةً كانت تعاني من ضائقة اقتصادية انعكست على أحوال المواطنين، فقرر حاكم البلدة أن يضع خزّاناً كبيراً في ساحة البلدة وأن يطلب من كل ساكنٍ فيها أن يضع بشكلٍ منفرد دلواً من الحليب، وحين أراد أن يتفقد محتوى الخزّان، فوجئ بأن الجميع وضع ماءً بدل الحليب وهو يظن أن الآخرين سيضعون الحليب ولن ينتبه لفعلته أحد.
وأنا أخشى أن لا نجد سوى الماء في خزّان الموازنة القائم على الضرائب، بل أخشى أن لا نجد حتى الماء لأننا لم نعمل على سد ما في الخزان من مسارب الهدر والفساد.
ولأنني أستشعر أننا في سفينةٍ واحدةٍ لا مصلحة لأحدٍ من راكبيها أن تغرق، ولأنني مقتنع أن نمو الإقتصاد يحتاج الى أمن، وعدالة تشريعية بين الجميع، وحفاظ على مواردنا البشرية وهي الثروة الحقيقية للبنان، وحوكمة فاعلة قائمة على الشفافية، أقول هذه الكلمات:
لا ينبغي لنا يا دولة الرئيس مهما اشتدت الأزمات أن نركن الى واقعنا أو أن نقبل أن يصنع بعضنا لنا أزمةً ثم يدفعنا الى تسوياتٍ خوفاً على البلد، فالأمن والإستقرار حيويّان ولكنهما لا يمثلان إلا الحد الأدنى المطلوب من مقومات الوطن الذي يستصرخنا للنهوض من كبوته.
صحيحٌ أن التوافق السياسي قد جنّب البلاد خطر التوتّر، ولكنه لم يحقق الثقة بين أطرافه أنفسهم ولا بين المواطنين والدولة، فهو قد تحوّل الى توافقٍ يحافظ على الاستقرار النسبي، ولكنه لا يفلح في تحقيق الإصلاحات الاقتصادية والإدارية المطلوبة، فها هي مناقصة بواخر الكهرباء مثلاً تتعطل للمرة الثانية لعيبٍ في اجراءاتها ودفتر شروطها وهذا لا يصنع اقتصاداً أو يطوّر موازنةً، وها نحن نسمع من الجميع بأن الفساد موجودٌ في مفاصل الدولة ويجب محاربته ثم لا نجد فاسداً واحداً قد تمت محاسبته ومحاكمته واسترداد الأموال منه في رسالةٍ تعيد للمواطن الثقة بالدولة وبأن الطبقة السياسية قد توقفت عن تغطية الفساد والمفسدين.
لا أحدٌ من العقلاء يرى دولة الرئيس بديلاً عن التوافق، ولكن كثيرين يرون في أداء الحكومة مجرد محاولةٍ لتحسين واقع فرقائها في انتخابات ٢٠١٨. والحسابات مقبولة في الصراع السياسي، ولكنها قد تجر الى مخاطر كثيرة عندما تكون خاطئة أو متعجّلة كاللجوء الى الحل السهل في فرض ضرائب جديدةٍ على المواطن لا سيما زيادة الـ TVA في ظل الواقع المعيشي الصعب لأغلب المواطنين بدل وقف الهدر والتخفيف من الإنفاق الزائد، أو ازدياد منسوب التعايش مع مشروع الدويلة على حساب الدولة تحت شعار المحافظة على الحكومة وعلى الاستقرار، وما نفع الحكومة إذا فقدنا الدولة نفسها بل إذا فقدنا إرادتنا الذاتية.
شبابنا يا دولة الرئيس يحتاج الى تنمية ووظائف، وينادي بحوكمة رشيدة في إدارة الدولة أساسها الشفافية ومحاربة الفساد،
شبابنا يحتاج الى أن لا يرى حقه في الوظيفة على أساس الكفاءة يضيع على خلفية توازنٍ طائفي مزعوم ثم لا يجد من من يدافع عن حقه فيُدفع دفعاً لليأس من بلده،
شبابنا يحتاج الى أن لا يرى نفسه يدفع بعيداً عن المسجد من خلال تعديل دوام عمل يوم الجمعة تحت ذرائع اقتصادية، وما نفع التوقعات الاقتصادية بعيداً عن قيم الدين التي تدفع المواطن والموظف للإستقامة في وظيفته،
شبابنا يحتاج أن يشعر أن ميزان العدالة مستقيمٌ فعلاً فلا يُتشدد بظلمٍ في الأحكام على الشباب المسلم ثم يُتساهل مع عميلٍ أو مع قاتلِ ضابطٍ في الجيش لأن انتماءهم يشفع لهم.
شبابنا يريد أن لا تكون هناك عراضات مسلحة أو شبه مسلحة في قلب بيروت تمر بدون محاسبة، أو أن يكون هناك سلاح فوضى فوق المحاسبة ثم يعتقل الشباب المسلم لاتصالٍ قام به أو تلقاه.
شبابنا يحب أن يرى عاصمته بيروت سيدة العواصم من جديد لا موقف سيارات كبير أوزحمة سيرٍ خانقة.
إن جميع هذه الاحتياجات لشبابنا تستدعي منا جميعاً الإقتناع بأن لبنان لا يقوم إلا بجميع مكوناته، وأن أي مكون من هذه المكونات لا يمكن الاستغناء عنه أو تهميشه أو عزله، وكل المحاولات في هذا الإطار أنتجت حروباً أهلية ندعو الله أن لا تتكرر، وأن الإجابة على هواجس أي مكونٍ من هذه المكونات تكون بمزيدٍ من الارتباط بمشروع الدولة القوية والعادلة لا بنقل الهواجس لمكونٍ آخر.
إن الإستجابة لمتطلبات الشباب تستدعي منهجية تفكيرٍ وعمل قائمة على التشاركية وليس التفرد أو العنصرية أو محاولة تكريس الذات على حساب الشريك في الوطن، كما تستدعي تجاوز التنافس على المواقع وأحلام النفوذ، فردة فعل الناس لن تميّز في أثرها بين قوةٍ سياسية وأخرى، أو زعيمٍ وآخر. وحدها الرؤية المشتركة والإرادة المشتركة يمكن أن تتيح لنا استعادة المبادرة ومن لا يعمل على ضوء هذا الطرح يعمل من حيث لا يدري على تعميق الضعف وفي هذا إضعافٌ له أيضاً.
بالعودة الى ما ورد في مشروع الموازنة، أورد الملاحظات العامة التالية:
1.    ورد في المادة 14 طلب الإجازة للحكومة فتح اعتماد إضافي بقيمة 1200 مليار ليرة لتغطية كلفة سلسلة الرتب والرواتب. هذه الكلفة هي كلفة سنة كاملة بينما المستحق خلال سنة 2017 هو أربعة أشهر (من أيلول الى كانون الأول) 400 مليار فقط.
2.    ورد في الفصل الثاني (المواد 15 الى 31) مجموعة من قوانين برامج جديدة أو معدلة كان الأجدر أن تأتي خلال العام 2017 على شكل قوانين مستقلة تبيّن طبيعة المشاريع وحجمها، ودراسة الجدوى الخاصة بها.
3.    ورد في الفصل الثالث (المواد 32 الى 60) مجموعة من التعديلات والإعفاءات الضريبية دون إيراد اثرها الاجتماعي وانعكاسها على المواطن.
دولة الرئيس،
نحن بحاجة الى رؤية اقتصادية متكاملة لإيجاد التوازن الذي يتم من خلاله توزيع الأعباء على عدة محاور:
1.    محاربة الهدر وترشيق الدولة.
2.    ومحاربة الفساد واسترداد الاموال التي جمعها الفاسدون بفسادهم.
3.    زيادة الاقتصاد الإنتاجي والتخفيف من الإقتصاد الريعي.
4.    وأخيراً ضرائب مدروسة ومتوازنة.
بناءً لكل ما سبق فإنني أقترح:
‌أ.    الإسراع في تنفيذ المكننة والحكومة الالكترونية، وهو إجراء يعالج جزءاً كبيراً من الفساد في الإدارة ويساهم في استعادة ثقة المواطن والمستثمرين.
‌ب.    تحويل آلية التعيين التي تم الإتفاق عليها في الحكومة السابقة الى آلية ملزمة، واحترام الدستور في التعيينات والذي حصر المناصفة في موظفي الفئات الأولى، وأعطى الأولوية في جميع الفئات للكفاءة وتساوي الفرص، فنحمي بذلك إدارات التدولة من تدني الكفاءة ونستعيد ثقة شبابنا بدولتهم.
‌ج.    وقف الهدر في التوظيفات وإنهاء الملفات المشابهة لملف 127 رئيس مصلحة يتقاضون رواتبهم منذ سنة ونصف دون تأدية خدمتهم بسبب عدم توقيع مرسوم تعيينهم، وكذلك إيجاد الحل لعدد ليس بالقليل من المدراء العامين والموظفين الموضوعين بالتصرف، وكل ذلك يشكل عبءاً على موازنة الدولة.
‌د.    تخفيف الإنفاق الزائد في المباني الحكومية المتواجدة في المناطق الأغلى إيجاراً في العاصمة بيروت وغيرها، وتخفيض حجم وكلفة الوفود التي تسافر للخارج. وهنا أستذكر أحد المقيمين في النمسا وقد فوجئ برئيس جمهورية النمسا يتنقل بالقطار كسائر المواطنين.
‌ه.    التوقف عن التوظيف المقنّع من خلال التعاقد لأكثر من سنة.
‌و.    تعزيز دور الهيئات الرقابية وإدارة المناقصات حتى تنتظم شؤون الدولة ويطمئن المواطن الى هذا الانتظام.
‌ز.    الإسراع في تعيين الهيئات الناظمة التي قررها المجلس النيابي بقوانين، وتعيين مجلس إدارة شركة الكهرباء، وإصدار المراسيم التطبيقية لقانون الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص والاستفادة منه.
‌ح.    وضع خطة متوسطة المدى لشبه الإكتقاء الذاتي الزراعي والصناعي وتطوير الإقتصاد الإنتاجي بهذه الطريقة.
وشكراً.